فصل: البلاغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الإعراب:

{يا بُنَيَّ إنَّها إنْ تَكُ مثْقالَ حَبَّةٍ منْ خَرْدَلٍ} يا بني تقدم إعرابه كثيرا وهذا من تتمة وصية لقمان، وان واسمها وإن شرطية وتك فعل مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط وعلامة جزمه السكون المقدر على النون المحذوفة للتخفيف واسم تك مستتر يعود إلى الخطيئة وذلك أن ابن لقمان قال: يا أبت إن عملت الخطيئة حيث لا يعلمها أحد كيف يعلمها اللّه؟ فقال يا بني انها إن تك مثقال حبة من جنس الخردل، ومثقال خبر تك وحبة مضاف اليه ومن خردل صفة لحبة أي فكانت مثلا لحبة الخردل في الصغر والقماءة.
{فَتَكُنْ في صَخْرَةٍ أَوْ في السَّماوات أَوْ في الْأَرْض يَأْت بهَا اللَّهُ إنَّ اللَّهَ لَطيفٌ خَبيرٌ} فتكن عطف على تك واسم تكن مستتر تقديره هي أي الخطيئة والهنة وفي صخرة خبر تكن، أو في السموات أو في الأرض عطف على في صخرة أي في أخفى مكان من الثلاث المذكورات ويأت جواب الشرط وعلامة جزمه حذف حرف العلة وبها متعلقان بيأت واللّه فاعل وإن واسمها وخبراها.
{يا بُنَيَّ أَقم الصَّلاةَ وَأْمُرْ بالْمَعْرُوف وَانْهَ عَن الْمُنْكَر} أقم فعل أمر وفاعله مستتر وجوبا تقديره أنت والصلاة مفعول به وأمر بالمعروف عطف وكذلك وانه عن المنكر.
{وَاصْبرْ عَلى ما أَصابَكَ إنَّ ذلكَ منْ عَزْم الْأُمُور} إن وخبرها المقدم واسمها المؤخر ومعنى عزم الأمور: من معزوماتها فهو مصدر بمعنى المفعول أو بمعنى الفاعل أي من عازمات الأمور أي مما جعله اللّه عزيمة وأوجبه على عباده.
{وَلا تُصَعّرْ خَدَّكَ للنَّاس وَلا تَمْش في الْأَرْض مَرَحًا} الواو حرف عطف ولا ناهية وتصعر فعل مضارع مجزوم بلا وفاعله مستتر تقديره أنت وللناس متعلقان بتصعر ولا تمش عطف على ولا تصعر وفي الأرض متعلقان بتمش ومرحا مصدر وقع موقع الحال أو نعت لمصدر محذوف أي مشيا مرحا أو مفعول لأجله أي لا تمش لأجل المرح والأشر.
وعبارة الزمخشري أراد ولا تمش تمرح مرحا أو أوقع المصدر موقع الحال بمعنى مرحا ويجوز أن يراد لأجل المرح والأشر.
{إنَّ اللَّهَ لا يُحبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ} إن واسمها وجملة لا يحب خبرها وكل مفعول يحب وفخور عطف على مختال.
{وَاقْصدْ في مَشْيكَ وَاغْضُضْ منْ صَوْتكَ} الواو عاطفة واقصد فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت وفي مشيك متعلقان بأقصر واغضض من صوتك عطف على ما تقدم.
{إنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوات لَصَوْتُ الْحَمير} الجملة تعليل للأمر بخفض الصوت بصورة مؤكدة كما سيأتي في باب البلاغة وإن واسمها والأصوات مضاف اليه واللام المزحلقة للتأكيد وصوت الحمير خبر إن.

.البلاغة:

في قوله: {إنها إن تك مثقال حبة من خردل} الآية فن التمام أو التتميم وقد تقدمت الاشارة إلى الفن في مواطن من هذا الكتاب، والمعنى انه تمم خفاء الهنة أو الخطيئة في نفسها بخفاء مكانها من الصخرة والأخفى من الصخرة كأن تكون في صخرة مستقرة في أغوار الأرض السحيقة أو في الأعالي من أجواز الفضاء، ومنه في الشعر قول الخنساء:
وإن صخرا لتأتمّ الهداة به ** كأنه علم في رأسه نار

فقولها في رأسه نار تتميم جميل لابد منه لتجسيد الظهور والشهرة للسارين والغادين.
وقول عنترة العبسي:
أثني عليّ بما علمت فإنني ** سهل مخالقتي إذا لم أظلم

فقوله لم أظلم تتميم حسن.
ومن التتميم الحسن قول امرئ القيس يصف الفرس:
على هيكل يعطيك قبل سؤاله ** أفانين جري غير كزّ ولا واني

فقوله قبل سؤاله تتميم عجيب لقوله أفانين جري وما أجمل قول زهير بن أبي سلمى في هذا الباب:
من يلق يوما على علاته هرما ** يلق السماحة منه والندى خلقا

والتتميم هنا في قوله على علاته وهو تتميم عجيب تضمن مبالغة أعجب. ويجري على هذا المنوال قول ابن محكان السعدي حين قدم إلى القتل:
ولست وإن كانت إليّ حبيبة ** بباك على الدنيا إذا ما تولت

قال أبو العباس المبرد: فاستثنى: وإن كانت إليّ حبيبة استثناء مليحا، ونوى التقديم والتأخير فلذلك جاز له أن يأتي بالضمير مقدّما على مظهره.
2- التأكيد بأن وفنون أخرى:
ومن بديع هذه الآية إن أنكر الأصوات لصوت الحمير فنون عديدة نشير إليها:
أ- فقد أتى بالتمثيل مؤكدا بإن أولا وعزز هذا التأكيد باللام فصار الكلام خبرا إنكاريا كأن التمثيل أمر مبتوت فيه لا يتطرق اليه الشك، فقد تدخل إن في الجملة فترى الكلام بها مستأنفا غير مستأنف مقطوعا موصولا معا، واستخدامها على هذا الوجه يحتاج إلى تدبر وروية معا، وقد خفي سر هذا الاستخدام حتى على أفراد العلماء روي عن الأصمعي أنه قال: كنت أسير مع أبي عمرو بن العلاء وخلف الأحمر وكانا يأتيان بشارا فيسلمان عليه بغاية الإعظام ثم يقولان يا أبا معاذ ما أحدثت؟ فيخبرهما وينشدهما ويسألانه ويكتبان عنه متواضعين له حتى يأتي وقت الزوال ثم ينصرفان، وأتياه يوما فقالا: ما هذه القصيدة التي أحدثتها في سلم بن قتيبة؟ قال: هي التي بلغتكم. قالوا: بلغنا أنك أكثرت فيها من الغريب، قال:
نعم بلغني أن سلم بن قتيبة يتباصر بالغريب فأحببت أن أرد عليه ما لا يعرف، قالا: فأنشدناها يا أبا معاذ فأنشدهما:
بكّرا يا صاحبيّ قبل الهجير ** إن ذاك النجاح في التبكير

حتى فرغ منها فقال له خلف: لو قلت يا أبا معاذ مكان إن ذاك النجاح في التبكير بكّرا فالنجاح في التبكير كان أحسن فقال بشار: إنما بنيتها أعرابية وحشية فقلت: إن ذاك النجاح في التبكير كما يقول الأعراب البدويون ولو قلت: بكرا في النجاح كان هذا من كلام المولدين ولا يشبه ذاك الكلام ولا يدخل في معنى القصيدة، قال: فقام خلف فقبل بين عينيه. قال عبد القاهر في تعليقه على هذه القصة: فهل كان هذا القول من خلف والنقد على بشار إلا للطف المعنى في ذلك وخفائه؟.
ومضى عبد القاهر في تحليله لبيت بشار فقال: أما إن الجملة مستأنفة مع إنّ فلأنها غير معطوفة على ما قبلها بالواو وهي واقعة في جواب سؤال مقدر فكأن سائلا سأل: ولماذا يطلب إلى صاحبيه أن يبكرا قبل الهجير فكان الجواب: إن ذلك النجاح في التبكير واما انها تصل جملتها بالجملة السابقة فالدليل عليه أنك لو أسقطت إن من الجملة لرأيت الجملة الثانية لا تتصل بالأولى ولا تكون منها بسبيل حتى تجيء بالفاء فتقول: بكرا صاحبي قبل الهجير فذاك النجاح في التبكير ولعل ذلك هو سر لطفها ودقتها وجزالة التعبير بها وهو سمة البناء الأعرابي الوحشي على عكس ما لو قال: بكرا فالنجاح في التبكير فهو بناء سهل واضح الترابط بالفاء وذلك سمة بناء الجمل عند المولّدين وإذا كانت الفاء تفيد الربط فانها لا تفيد التوكيد الذي تدل على إن وهذا البناء الجزل هو الذي جاء في القرآن إلى درجة لا يدركها الإحصاء.
ويروي عبد القاهر في دلائل الاعجاز حديث يعقوب بن اسحق الكندي المتفلسف إذ ركب إلى أبي العباس وقال له: إني لأجد في كلام العرب حشوا فقال له أبو العباس: في أي موضع وجدت ذلك؟
فقال: أجد العرب يقولون: عبد اللّه قائم ثم يقولون: إن عبد اللّه قائم ثم يقولون: إن عبد اللّه لقائم فالألفاظ متكررة والمعنى واحد.
كلام العرب حشوا فقال أبو العباس: في أي موضوع وجدت ذلك؟
فقال أبو العباس: بل المعاني مختلفة لاختلاف الألفاظ فقولهم عبد اللّه قائم إخبار عن قيامه وقولهم إن عبد اللّه قائم جواب عن سؤال سائل وقولهم: إن عبد اللّه لقائم جواب عن انكار منكر قيامه فقد تكررت الألفاظ لتكرر المعاني.
وانما أطلنا في الاقتباس لدقة هذا البحث وخفائه وهو في الآية التي نحن بصددها واقع أجمل موقع وألطفه، موضح لتعليل الأمر بخفض الصوت مبني على تشبيه الرافعين أصواتهم بالحمير وتمثيل أصواتهم بالنهيق وافراط في التنفير عن رفع الصوت وقد أجاد الخطيب في تعليله لهذا التعليل وننقل فصله بطوله لروعته وابداعه قال:
فإن قيل: لم ذكر المانع من رفع الصوت ولم يذكر المانع من سرعة المشي؟ أجيب بأن رفع الصوت يؤذي السامع ويقرع الصماخ بقوته وربما يخرق الغشاء الذي في داخل الأذن وأما سرعة المشي فلا تؤذي وإن آذت فلا تؤذي غير من في طريقه والصوت يبلغ من على اليمين وعلى اليسار ولأن المشي يؤذي آلة المشي والصوت يؤذي آلة السمع وآلة السمع على باب القلب فإن الكلام ينقل من السمع إلى القلب ولا كذلك المشي، وأيضا فلان قبيح القول أقبح من قبيح الفعل وحسنه أحسن لأن اللسان ترجمان القلب، ولما كان رفع الصوت فوق الحاجة منكرا كما أن خفضه دونها يعتبر تماوتا وتكبرا وكان قد أشار إلى النهي عن هذا بمن فأفهم أن الطرفين مذمومان علّل النهي عن الأول بقوله إن أنكر أي أفظع وأشنع الأصوات برفعها فوق الحاجة لصوت الحمير أي هذا الجنس لما له من العلو المفرط من غير حاجة فإن كل حيوان قد يفهم من صوته أنه يصيح من ثقل أو تعب كالبعير أو لغير ذلك والحمار لو مات تحت الحمل لا يصيح ولو قتل لا يصيح وفي بعض أوقات عدم الحاجة يصيح وينهق بصوت أوله شهيق وآخره شهيق.
ب- توحيد الصوت:
وقال الزمخشري: لم وحّد صوت الحمير ولم يجمع؟
قلت ليس المراد أن يذكر صوت كل واحد من آحاد هذا الجنس حتى يجمع وانما المراد أن كل جنس من الحيوان الناطق له صوت وأنكر أصوات هذه الأجناس صوت هذا الجنس فوجب توحيده.
الاستعارة التصريحية:
وفي هذه الآية الاستعارة التصريحية حيث أخلي الكلام من لفظ التشبيه وأخرج مخرج الاستعارة فجعلوا حميرا وجعل صوتهم نهاقا مبالغة في الذم والتهجين وإفراط في النهي عن رفع الصوت والحمار مثل في الذم البليغ والشتيمة الموجعة وكذلك نهاقه.
ومن استفحاشهم لذكره مجردا وتفاديهم من اسمه انهم يكنون عنه ويرغبون عن التصريح به فيقولون الطويل الأذنين، وعن عبد الحميد الكاتب انه قال: لا تركب الحمار فإنه إن كان فارها أتعب يدك وإن كان بليدا أتعب رجلك. وقال أعرابي: بئس المطية الحمار إن وفقته أدلى وإن تركته ولى، كثير الروث، قليل الغوث، سريع إلى الفرارة، بطيء في الغارة، لا توقى به الدماء، ولا تمهر به النساء، ولا يحلب في الإناء. ومن العرب من لا يركبه أبدا ولو بلغت به الحاجة والجهد.
الصوت مصدر:
وفي القرطبي: لصوت الحمير اللام للتأكيد ووحد الصوت وإن كان مضافا إلى الجماعة لأنه مصدر والمصدر بدل على الكثرة وهو مصدر صات يصوت صوتا فهو صائت ويقال صوّت تصويتا فهو مصوت ورجل صات أي شديد الصوت بمعنى صائت.

.[سورة لقمان: الآيات 20- 24].

{أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما في السَّماوات وَما في الْأَرْض وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نعَمَهُ ظاهرَةً وَباطنَةً وَمنَ النَّاس مَنْ يُجادلُ في اللَّه بغَيْر علْمٍ وَلا هُدىً وَلا كتابٍ مُنيرٍ (20) وَإذا قيلَ لَهُمُ اتَّبعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبعُ ما وَجَدْنا عَلَيْه آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إلى عَذاب السَّعير (21) وَمَنْ يُسْلمْ وَجْهَهُ إلَى اللَّه وَهُوَ مُحْسنٌ فَقَد اسْتَمْسَكَ بالْعُرْوَة الْوُثْقى وَإلَى اللَّه عاقبَةُ الْأُمُور (22) وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إلَيْنا مَرْجعُهُمْ فَنُنَبّئُهُمْ بما عَملُوا إنَّ اللَّهَ عَليمٌ بذات الصُّدُور (23) نُمَتّعُهُمْ قَليلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إلى عَذابٍ غَليظٍ (24)}.

.اللغة:

{وَأَسْبَغَ} وأتم، يقال: أسبغ اللّه عليه النعمة أتمها وأسبغ الثوب: أوسعه وأطاله وأسبغ الرجل لبس درعا سابغة وأسبغ له النفقة وسّع عليه وأنفق تمام ما يحتاج اليه، وفي المصباح: وسبغت النعمة سبوغا اتسعت وأسبغها اللّه أفاضها وأتمها وأسبغت الوضوء أتممته وقرئ بالسين وبالصاد، وهكذا كل سين اجتمع معه الغين والخاء والقاف تقول في سلخ صلخ وفي سقر صقر وفي سالغ صالغ ومعنى سالغ من سلغت البقرة والشاة إذا أسقطت السنّ التي خلقت السديس والسلوغ في ذوات الأظلاف بمنزلة البزول في ذوات الأحقاف.
{بالْعُرْوَة الْوُثْقى} جاء في القاموس ما يلي: العروة من الدلو والكوز المقبض ومن الثوب أخت زره كالعري ويكسر ومن الفرج لحم ظاهره يعرض فيأخذ يمنة ويسرة مع أسفل البظر وفرج معرّى والجماعة من العضاة والحمض يرعى في الجدب والأسد والشجر الملتفّ تشتوفيه الإبل فتأكل منه أو مالا يسقط ورقه في الشتاء والنفيس من المال كالفرس الكريم وموالي البلد وفي الأساس واللسان: وتستعار العروة لما يوثق به ويعوّل عليه فيقال للمال النفيس والفرس الكريم: لفلان عروة، وللابل عروة من الكلأ وعلقة: لبقية تبقى منه بعد هيج النبات تتعلق بها لأنها عصمة لها تراغم إليها وقد أكل غيرها قال لبيد:
خلع الملوك وسار تحت لوائه ** شجر العرا وعراعر الأقوام

أي هم عصم للناس كالعضاه التي تعتصم بها الأموال، ويقال لقادة الجيش: العرا، والصحابة رضوان اللّه عليهم عرى الإسلام، وقول ذي الرّمة:
كأن عرا المرجان منها تعلّقت ** على أمّ خشف من ظباء المشاقر

أراد بالعرا: الأطواق. والعروة من أسماء الأسد.